علاقة الحساب بالذكاء والفطنة

علاقة الحساب بالذكاء والفطنة

 علاقة الحساب بالذكاء والفطنة

مقدمة

لطالما كان الحساب وسيلة لتنظيم الحياة وتسهيل العمليات اليومية، ولكنه في بعض الأحيان يواجه تحديات تعكس عمق العلاقة بين الذكاء والفطنة. فقد يجد الإنسان نفسه أمام مسألة حسابية تبدو بسيطة، لكنها تتطلب ذكاءً عملياً أكثر من مجرد الاعتماد على الأرقام. في هذا المقال، نستعرض مثالاً على هذا النوع من المسائل، حيث يتداخل الحساب مع الذكاء والفطنة، ويتمثل هذا في قصة موسى بن شاكر وأبنائه الثلاثة مع قاضي بغداد.

 تمرين الحساب والفطنة

تتمثل المسألة في كيفية توزيع 17 بيضة بين ثلاثة أفراد، بحيث يأخذ الأول نصفها، والثاني ثلثها، والثالث تسعها، دون كسر أي بيضة. إذا قمنا بحساب الأنصبة بطريقة رياضية بحتة، نحصل على الآتي:
نصيب الأول: 17 ÷ 2 = 8.5 بيضة.
نصيب الثاني: 17 ÷ 3 = 5.333 بيضة.
نصيب الثالث: 17 ÷ 9 = 1.889 بيضة.
من خلال هذه الحسابات، نجد أن النتيجة تتضمن كسوراً، وهو ما يجعل توزيع البيض بشكل عادل دون كسره مستحيلاً إذا التزمنا بالحسابات الرياضية فقط.

 الحل البارع للقاضي

هذه المسألة واجهت قاضي بغداد، ولكنه بفضل ذكائه وفطنته تمكن من حلها بطريقة غير تقليدية، وأصبحت قصته درساً في الفطنة وسرعة البديهة. إليك القصة:
كان موسى بن شاكر من العلماء البارزين وصديقاً للخليفة العباسي المأمون. وعندما توفي موسى، ترك لأبنائه الثلاثة وصية تتعلق بتقسيم ثروته، ومن ضمنها عدد من الخيول. وفقاً للوصية، كان نصيب كل ابن كالتالي:
نصف خيول لمحمد.
ثلث خيول لأحمد.
تسع خيول لحسن.                                                  
لكن المشكلة تكمن في أن عدد الخيول كان 17، وهو رقم يجعل تقسيم الحصص بهذه الطريقة الحسابية التقليدية غير ممكن دون كسور. وجد القاضي نفسه أمام تحدٍ كبير، حيث أراد الأبناء الالتزام بالوصية دون اللجوء إلى حلول أخرى كالتشارك أو البيع.

الفطنة تتغلب على الحساب

أمام هذا المأزق، فكر القاضي بحيلة ذكية. بدلاً من محاولة تقسيم الخيول بناءً على الأرقام مباشرة، قرر إضافة حصانه الخاص إلى مجموعة الخيول، ليصبح العدد الإجمالي 18 جواداً. وبهذا، أصبح بإمكانه تقسيم الخيول بسهولة.
أعطى محمداً نصف الـ 18 جواداً، أي 9 جياد.
أعطى أحمد ثلث الـ 18 جواداً، أي 6 جياد.
أعطى الحسن تسع الـ 18 جواداً، أي جوادين.
 عند جمع ما حصل عليه الأبناء الثلاثة، نجد أن العدد الكلي هو 17 جواداً، وهي نفس تركة أبيهم. أما الحصان الثامن عشر، الذي أضافه القاضي، فاسترده لنفسه، وبهذا حُلّت المسألة بشكل عادل وذكي دون كسر أي قاعدة.                                                

العبرة من القصة

ما يميز هذه القصة هو كيف أن القاضي لم يكتفِ بالحلول التقليدية القائمة على الحساب البحت، بل استخدم الفطنة والبديهة لتجاوز العقبة. أحياناً، قد تكون الحلول أمام أعيننا، لكننا نحتاج إلى مرونة في التفكير وتجاوز المنطق التقليدي للوصول إليها.

في النهاية، هذه القصة تظهر كيف يمكن للذكاء أن يكمل الحساب، وكيف يمكن للفطنة أن تفتح أبواباً قد تبدو مغلقة بالأرقام وحدها.


تعليقات