الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقي
يُعتبر الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقي واحدًا من أبرز الشخصيات في تاريخ التفسير والموسوعات التاريخية الإسلامية. لقد ترك بصمةً واضحةً في فهم القرآن الكريم وعلوم الشريعة، مما جعله مرجعًا لا غنى عنه للعلماء وطلاب العلم عبر العصور.
الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقي، المعروف
بلقب إمام المؤرخين والمفسرين، هوعماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، الذي اشتهر
بالتفسير وكتب العديد من المؤلفات التي شكلت منطلقًا ومرجعًا علميًا لفهم كتاب الله
تعالى. يُعرف بتفسير المأثور، ويُميز بينه وبين القارئ ابن كثير أحد القراء السبعة،
حيث أن الأول مفسر ومؤرخ والثاني قارئ.
1ـ ولادته
وُلد ابن كثير في سنة 700 هـ في منطقة
(مجدل) القرية، القريبة من مدينة بصرى في الشام،
ويعود أصله إلى البصرة التي نزح منها إلى الشام.
تلقى مبادئ العلوم على يد أخيه عبد الوهاب، ثم
انتقل إلى دمشق ، حيث استمر في تلقي شتى أنواع
العلم، خاصة في التفسير والحديث والفقه.
2ـ شيوخه
يُعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية مرجعه
الأساسي الذي استفاد منه، وغالبًا ما يُذكر اسمهما معًا. ومن شيوخه في الفقه الشيخ برهان الدين الغزاري المعروف باسم ابن الفركاح،
أما أشهر من سمع منهم الحديث فهم أحمد بن أبي طالب المعمر
وجمال الدين المزي، الذي تزوج ابن كثير ابنته، ومن الأعلام المحدثين الذين تتلمذ
عليهم الحافظ شمس الدين الذهبي.
3ـ شغله
شغل ابن كثير منصب الخطابة في جامع المزة،
وخلف شيخه الذهبي في تدريس الحديث، كما تولى كرسي
التدريس بالجامع الأموي في التفسير. وله العديد
من المؤلفات، من أشهرها "تفسير ابن كثير"
وكتاب "البداية والنهاية". كما اختصر
بعض العلوم لتيسيرها لطلاب علوم القرآن في مجموعة من المصنفات الصغيرة، التي أغنت مكتبة
التفسير الإسلامية مثل "مختصر ابن كثير"
للصابوني.
4ـ انتماؤم
يُعتبر ابن كثير من جهابذة الأمة في كافة فروع المعرفة الدينية، وهو ينتمي
إلى طبقة تابعي التابعين من المفسرين، حيث يجاور الإمام
الطبري والإمام القرطبي بعد جيل التابعين
مثل مجاهد وعطاء بن أبي رباح، والصحابة مثل عبد الله بن
عباس، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، مما يدل على أنه يشكل سلسلة ذهبية في التفسير.
من نفائس أقواله رحمة الله عليه في توجيه المشتغلين بتفسير القرآن الكريم قوله:
"الواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتعلم
ذلك وتعلميه، كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتاب
لتبينتهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) آل عمران: 187.
5ـ وفاته
توفي ابن كثير رحمه الله في شعبان سنة
774 هـ عن عمر ناهز أربع وسبعين عاماً، ودفن في مقبرة
الصوفية بجانب شيخه ابن تيمية.
يظل الإمام ابن كثير نموذجًا يحتذى به في مجالات التفسير والحديث، حيث
تُعد مؤلفاته مرجعًا أساسيًا للأجيال اللاحقة. لقد ساهمت جهوده في إحياء العلوم الشرعية
وتيسير فهمها، مما يجعل اسمه خالداً في ذاكرة الأمة الإسلامية.