الهبوط على سطح القمر
منذ أن بدأ الإنسان في استكشاف الفضاء، كانت القمر وجهته الأولى بعد الأرض، إذ تمثل الرحلات الفضائية إلى سطح القمر واحدة من أبرز الإنجازات العلمية والتكنولوجية في تاريخ البشرية. انطلقت أولى المحاولات لاكتشاف القمر في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، وتمكنت العديد من الدول من تحقيق هبوط غير مأهول وآخر مأهول على سطحه. القمر، ذلك الجار الفضائي الأقرب إلى كوكب الأرض، أصبح مصدرًا للإلهام والفضول العلمي الذي يدفع البشر لاستكشافه بشكل مستمر. من أول هبوط سوفيتي إلى تحقيق الوكالات الفضائية المختلفة إنجازات غير مسبوقة، تقدم لنا هذه الرحلات لمحات عن المستقبل في الفضاء وإمكانات الاستيطان الفضائي. في هذا المقال، نستعرض أبرز محطات استكشاف القمر، سواء من خلال الرحلات المأهولة أو غير المأهولة، وكيف أثرت هذه الاكتشافات في دفع عجلة التقدم في علوم الفضاء.
الرحلات غير المأهولة
على مر العقود، أرسلت العديد من الدول مركبات فضائية إلى سطح القمر، حيث كانت البداية في عام 1959 مع الاتحاد السوفيتي، الذي أطلق المركبة "لونا 2" لتكون أول مركبة تهبط على سطح القمر بسرعة عالية. هذا الإنجازالسوفيتي تبعه نجاح أمريكي في عام 1962، حيث هبطت المركبة الفضائية الأمريكية "رينجر 4" على القمر خلال فترة الحرب الباردة، التي شهدت سباقًا فضائيًا بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
في السنوات الأخيرة، استمرت الدول في إرسال مركبات غير مأهولة إلى القمر بسرعات تصل إلى 8000 كم/ساعة. من أبرز هذه المهمات، هبطت المركبة اليابانية "هايتن" على سطح القمر في 10 أبريل 1993، في حين أجرت وكالة الفضاء الأوروبية هبوطًا دقيقًا بمركبتها "سمارت-1" في 3 سبتمبر 2006.
في 14 نوفمبر 2008، نجحت وكالة الفضاء الهندية "إيسرو" في إجراء هبوط خاضع للتحكم باستخدام المسبار "MIP"، الذي أُطلق من المركبة المدارية "شاندرايان 1"، حيث قام المسبار خلال هبوطه بإجراء تجارب استشعار عن بعد. وفي وقت لاحق، كانت المركبة "شاندرايان 1" متوقعة أن تهبط على سطح القمر في أواخر 2011 أوأوائل 2012، ولكن تم فقد الاتصال بها قبل الهبوط.
في 1 مارس 2009، أنجزت الصين هبوطًا خاضعًا للتحكم بواسطة مركبتها المدارية القمرية "تشانغ آه-1". أما في 19 يناير 2024، أعلنت وكالة الفضاء اليابانية "جاكسا" عن نجاح المسبار "سليم" (SLIM) في الهبوط على سطح القمر بدقة غير مسبوقة، مما يعد تطورًا تقنيًا هائلًا في مجال استكشاف الفضاء.
الرحلات المأهولة
حتى اليوم، استطاع 12 شخصًا الهبوط على سطح القمر ضمن برنامج "أبولو" التابع لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا". بدأ هذا الإنجاز في 20 يوليو 1969، عندما هبط نيل أرمسترونج و بازألدرين على سطح القمر ضمن مهمة "أبولو 11"، ليكون أرمسترونج أول إنسان يطأ قدمه على سطح القمر. استمرت هذه الرحلات حتى 14 ديسمبر 1972، حيث كان جين سيرنان وهاريسون شميت من "أبولو 17" آخر من وطأ سطح القمر، ليكون سيرنان هو آخر شخص يغادره.
في كل مهمة ضمن برنامج "أبولو"، كان هناك رائدي فضاء يقومان باستكشاف سطح القمر باستخدام الوحدة القمرية، بينما يبقى عضو ثالث من الطاقم على متن وحدة القيادة في المدار القمري. في المهام الثلاث الأخيرة من البرنامج، تم تزويد رواد الفضاء بمركبة قمرية جوالة، مما أتاح لهم التنقل لمسافات أطول على سطح القمر وأدى إلى إجراء المزيد من الأبحاث العلمية.
تُظهر مسيرة الهبوط على سطح القمر، سواء من خلال الرحلات المأهولة أو غير المأهولة، تقدمًا هائلًا في التكنولوجيا واستكشاف الفضاء. من المركبات السوفيتية الأولى إلى المسبار الياباني "سليم"، تواصل الدول في تحقيق إنجازات غير مسبوقة على سطح القمر، ما يعكس جهودًا مستمرة لفهم المزيد عن هذا الجار الفضائي المهم. ومع هذه الاكتشافات، يتوقع الخبراء المزيد من التقدم في استكشاف القمر وربما فتح آفاق جديدة للبشرية في المستقبل.